بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

الوفد البحريني ،،، في حضرة المحدِّث الرَّحماني
ظهير الدين الرحماني المباركفوري صاحب أعلى الأسانيد في الحديث

مقالة نشرت في جريدة الأيام البحرينينة
يوم الجمعة :26 ذي القعدة 1438هـ
الموافق 18 / 8 / 2017م
بقلم الدكتور محمد رفيق الحسيني

للعلم والعلماء مكانة ومنزلة عند الله تعالى، {يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وإنَّ الله وملائكته ومن في السَّماوات ومن في الأرض حتَّى النَّملة في جُحرها ليصلُّون على معلِّم النَّاس الخير، ولأنَّ العلم بهذه المنزلة فلا ينال إلَّا بجدٍّ واجتهادٍ وبذلٍ وتضحيةٍ، "لا ينال العلم براحة الجسم، فالعلم بالتَّعلُّم والحلم بالتَّحلُّم، ومن صبر صبَّره الله" كما رواه مسلم في مقدِّمة صحيحه عن يحيَى بن أبي كثير، ولذلك أمضَى العلماء السَّنوات الطِّويلة وقطعوا المسافات البعيدة من أجل طلب العلم، وقد منَّ الله تعالى على أهل البحرين مراتٍ عديدةٍ بزيارة العلماء والفضلاء لها، وممَّن زار المنطقة الشَّرقيَّة بحيِّ الثُّقبة فضيلة الشَّيخ المحدِّث المسند محمَّد ظهير الدِّين الرَّحماني المباركفوري، وذلك لإسماع عدد من الكتب الحديثيَّة، كـ $صحيح مسلم#، و $الشَّمائل المحمَّديَّة#  للتِّرمذي، و $منتقى الأخبار# لمجد ابن تيميَّة، وغير ذلك، وما أن سمع بقدومه بعض طلَّاب العلم بالبحرين ومشايخها إلَّا وسارعوا لحضور هذه المجالس المباركة والإستفادة منها، وكان عددهم ليس بالقليل، ولما فُجِعنا ـ كما فُجَع العالم الإسلامي ـ بخبر وفاة الشَّيخ ظهير الدِّين رحمه الله تعالى، حرصتُ على أن نعطِّر أنفاسنا بذكر مآثر الشَّيخ، بنثر مقتطفاتٍ من سيرته وجهوده، وأن نُشنِّف أسماعنا بذكر من حضر من مشايخ البحرين وطلابها لهذه المجالس، وهذه والله من مآثر أهل البحرين، وكم لهم من مآثر منسيَّة، وقد قسَّمت المقالة قسمين، الأوَّل : ترجمة الشَّيخ، والقسم الثَّاني : طلَّاب الشَّيخ من أهل البحرين .   

أولا : ترجمة الشيخ الرحماني .

اسمه ونسبه:

هو العلَّامة المسند المحدِّث المعمَّر محمَّد ظهير الدِّين بن الشَّيخ عبد السُّبحان، الحسين آبادي، المباركفوري، الرَّحماني، الهندي، أحد أعلام الحديث بشبه القارَّة الهنديَّة .

ولادته ونشأته :

كانت ولادته رحمه الله في قرية حسين آباد، ببلدة مباركفور، سنة 1339هـ الموافق 1920م تقريباً كما ينقل عن والده، وأمَّا في الأوراق الرَّسميَّة فتاريخ ولادته فيها 1 /  7 / 1923م، بدايةًً قرأ القرآن الكريم على والدته الفاضلة خديجة رحمها الله تعالى، وكانت امرأة ديِّنة صالحة، ولا أستبعد أنَّه قرأ وتتلمذ على والده أيضاً إلَّا أنَّه لم يقيَّد في ذلك شيء عن شيخ، ثمَّ درس اللُّغة الفارسيَّة والعربيَّة والحساب وكتب الجغرافيا، وغيرها من مقرَّرات المرحلة الابتدائيَّة في مدرسة قريته $دار التَّعليم# .

خاتمة الرواة عن عبد الرحمن المباركفوري :

كما أنَّه في هذه المرحلة التقَى بالشَّيخ محمَّد عبدالرَّحمن المباركفوري ـ صاحب $تحفة الأحوذي# ـ ودرس عليه كتاب $هداية النَّحو# في علوم العربيَّة والنَّحو، وأجازه إجازة عامَّة شفويَّة، وناوله كتابه $أبكار الـمِـنَن في تنقيد آثار السُّنَن#، ولا أعلم بالضَّبط أين درس عليه، قال مجيزنا الشَّيخ المسند محمَّد زياد التُّكلة : "ولعلَّ شيخنا هو خاتمة الرُّواة عن عبد الرَّحمن المباركفوري، فقد عاش بعده 85 سنة، ولا أعلم بقي عنه أحد" .

المدارس والشيوخ :

عندما بلغ الثَّالثة عشر من عمره خرج من قريته ليواصل تعليمه في المدارس الأخرَى، وأهمَّ المدارس الَّتي التحق بها والتزم فيها : $مدرسة فيض عام# بولاية يوبي، ثمَّ توجَّه إلى $المدرسة الرَّحمانيَّة# بمدينة دهلي لإتمام دراسته .
أولاً : في سنة 1933م تقريباً التحق بـ $مدرسة فيض عام# بمدينة مَـئـو، بمنطقة ضِلْع أعظَم كَرَه، في ولاية يُوْبي، وقضَى فيها أربع سنوات، ودرس في هذه المدرسة كتب الفقه كـ $كنـز الدَّقائق#، و $شرح الوقاية#، وكتب اللُّغة، والحديث، وغيرها من الكتب في مختلف الفنون، وذلك على عدد من المشايخ، فمنهم :
1.    الشَّيخ النَّحوي عبد الرَّحمن الـمَوِّي .
2.    الشَّيخ أحمد حسام الدِّين الـمَوِّي ـ تلميذ المحدِّث نذير حسين ـ، قرأ عليه شيئاً من $مشكاة المصابيح#، و $كافية# النَّحو لابن الحاجب، وكتاب $ شرح مُلَّا جامي على الكافية#.
3.    الشَّيخ الأديب عبدالله شائق الـمَوِّي ـ تلميذ المحدِّث محمَّد عبدالله غازيفوري ـ، أخذ عنه $سنن التِّرمذي#، وكتاب $بلوغ المرام#، و $المعلقات السَّبع#، و $حماسة أبي تـمَّام#، وغيرهم .
ثانياً : وفي سنة 1937م تقريباً التحق بـ $المدرسة الرَّحمانيَّة# بمدينة دِهلي، وقضَى فيها ثلاث سنوات، ودرس فيها على عدد من العلماء والمشايخ، وفي عدد من الفنون والكتب، فمن شيوخه في هذه المدرسة :
1.    العلَّامة المحدِّث أحمدالله القرشي الدِّهلوي : سمع عليه $صحيح مسلم# مقدار النِّصف ولم يتمَّه بسبب انتقال الشَّيخ من المدرسة.
2.    الشَّيخ نذير أحمد الأَمْلَوي : بعد انتقال الشَّيخ أحمد الله إلى الزُّبيديَّة أكمل عليه $صحيح مسلم#، ودرس عليه في الفقه كتاب $الهداية# للمرغناني .
3.    العلَّامة الشَّيخ عُبيدالله الرَّحماني المباركفوري صاحب كتاب $مرعاة المفاتيح#، أخذ عنه $صحيح البخاري# كاملاً، و $سنن أبي داود#، و $الموطَّأ# برواية يحيى بن يحيى اللَّيثي، و $منتقَى الأخبار# للمجد ابن تيميَّة، وهذا الشَّيخ من شيوخ شيخنا خالد بن سالم المنصوري الحنبلي رحمه الله تعالى .
4.    العلَّامة الشَّيخ أصحاب الدِّين الأفغاني ثمَّ البيشاوري الضَّرير، أخذ عنه $تفسير البيضاوي#، و $تفسير الجلالين#، وغيرهما .
5.    العلَّامة الفيلسوف الشَّيخ عبدالحليم السَّمرقندي، أخذ عليه كتاب $الإشارات# لابن سينا .
6.    العلَّامة عبدالجليل البَسْتَوي : درس عليه شيئاً من $مشكاة المصابيح#، و $سنن التِّرمذي#، و $مقامات الحريري# في الأدب، و $المفصَّل للزَّمخشري#، وتخرَّج منها سنة 1941م .
ومن شيوخه أيضاً العلَّامة السَّيِّد حسين أحمد المدني الملقب بـ $شيخ الإسلام# ، والعلَّامة إعزاز علي الأمروهي، حضر عنده في سنن التِّرمذي، وكان إذا سُئل عنه خاصة يذكره وأنه أجاز له، وغيرهم من المشايخ والعلماء.

مرحلة العطاء والتدريس :

بعد تخرُّجه رجع إلى قريته حسين آباد للإفادة والتَّدريس، ومكث بها مدَّة سنتين، ثمَّ درَّس في المدرسة التي درس فيها $المدرسة الرَّحمانيَّة#، وفي سنة 1946م توجَّه إلى $جامعة المحمديَّة العربيَّة# جنوب الهند للتَّدريس فيها، ودرَّس فيها $الصَّحيحين#، ثمَّ انتقل إلى $جامعة دار السَّلام# بمدينة عمر آباد، ودرَّس فيها الحديث والفقه والتَّاريخ، وغير ذلك، واستمر في التدريس بها من سنة 1958م إلى أن تقاعد سنة 2005م لكبر سنه، إلَّا أنَّه بقى فيها يُقرئ ويفيد إلى آخر أيامه، ولم ينقطع عن ذلك إلَّا لمرض أو سفر، وممَّا يستحسن أن نذكر بأنَّه : درَّس $صحيح البخاري# و $صحيح مسلم# 10 مرَّات كاملاً، و $سُنن أبي داود# 50 مرَّة، و $مقدِّمة ابن خَلدون# أكثر من 40 مرَّة، وتخرَّج عليه طبقاتٌ وطبقاتٌ، وجيلٌ بعد جيلٍ، وكان رحمه الله تعالى كان رفيقاً بطلابه حليماً بشوشاً .

مؤلفاته :

قال الشَّيخ التُّكلة : "لم يؤلِّف رحمه الله شيئاً، وله تعليقات على الكتب الَّتي درَّسها، وكان له عناية بـ $مقدمة ابن خلدون#" .، قلت وله عناية بـ $سُنن أبي داود# أيضاً فقد درَّسه 50 مرَّة .

وفاته :

قبل أسبوع من وفاته اشتدَّ عليه المرض ـ رحمه الله ـ، ولازم الفراش، وفي ليلة الثُّلاثاء 23 ذو القعدة 1438هـ بعد صلاة المغرب وقبيل صلاة العشاء فاضت روحه إلى بارئها، ـ عن مائة سنة ـ، وصُلِّي عليه في مسجد الجامعة، ودُفن في مقبرة عمر آباد، بجنب قبر الشَّيخ عبد الكبير العمري، رحم الله الجميع وألحقنا وإيَّاهم بالنَّبيِّين والشُّهداء والصَّالحين .

ثانياً : مشايخ البحرين في مجالس ظهير الدين .

كان من مِنن الله عليَّ وعلى بعض المشايخ وطلَّاب العلم بالبحرين أن وفقَّنا الله تعالى لحضور مجالسه، ومن ذلك مجالس السَّماع الَّتي أقيمت في المنطقة الشَّرقيَّة بإشراف الأخ الشَّيخ علي بن أحمد الحدَّادي وفقَّه الله، وذلك سنة 1434هـ،  وقد سمعتُ في هذا المجالس على الشَّيخ $المسلسل بالأوَّليَّة#، و $المسلسل بالمحبَّة#، ـ وفي إسناده لهما عن أحمد الله القرشي نظر ـ وبعض مجالس $صحيح مسلم#، و $موطَّأ الإمام مالك# برواية يحيَى بن يحيَى اللَّيثي كاملاً، مع أخي الدُّكتور حسن الحسيني، وفضيلة الشَّيخ القاضي حمد الفضل الدُّوسري، وعبدالله عيسَى أحمد، والشَّيخ القارئ عبدالرَّحمن الموسَى لكنه مع فوت .

لقاء بين الشيخ الحسيني والشيخ الرحماني

كما سمعتُ عليه في مجلس آخر وبحضور الوالد ـ حفظه الله تعالى ـ : $الـمُكَـلَّلُ بالأَوْلَوِيَّة في الـمُسَلْسَلِ بالأَوَّلِيَّة# لمحمَّد بن عبد العزيز الـجَعْفَري الـمَجْلي شِهْري (ت 1320هـ)، و $الشَّمائل المحمَّديَّة#  للتِّرمذي، و $الأوائل السُّنْبُليَّة#، ومقدِّمة $تفسير الجلالين# مع  تفسير سورة الفاتحة، وخمس آيات من سورة البقرة، وتفسير سورة النَّاس، ومقدِّمة $ تفسير البيضاوي#، مع تفسير سورة الفاتحة، وسورة النَّاس، و $المقدِّمة الجزَريَّة#، و $تحفة الأطفال# للجمزوري كلاهما في التَّجويد، وأوَّل كتاب $منتقَى الأخبار# لمجد ابن تيميَّة، وقد حضر هذا المجلس غير الَّذي ذكرناهم سابقًا من أهل مشايخ البحرين : الشَّيخ عبدالله الحسيني، والشَّيخ وضاح بن علي العبسي، والشَّيخ الطَّبيب أحمد بن محمَّد الغريب، والشَّيخ عمر بن عبدالحكيم العايدي المالكي، ومعتصم بن منصور العمري، وأحمد إسماعيل رحمة، ومحمود بن إسماعيل رحمة، ومحمَّد بن إسماعيل رحمة، وقد أجاز الشَّيخ ظهير الدِّين الرَّحماني رحمه الله تعالى، والوالد المقرئ المسند محمَّد سعيد الحسيني حفظه الله تعالى جميع الحاضرين بما سمعوا خاصَّة، وبما يجوز لهم روايته عامَّة .
كما أنَّني حضرتُ عنده في مجلس آخر من مجالس كتاب $منتقَى الأخبار#، من كتاب الصِّيام، مع زوجي، وأبنائي رقيَّة وأحمد وعلي وخالد ـ أسأل الله أن يبارك فيهم ـ، وأسمعهم المسلسل بالأوَّليَّة وأجازهم عامَّة بمرويَّاته، وحضر هذا المجلس أيضاً الشَّيخ عمر بن عبدالحكيم العايدي المالكي، والشيخ وضاح العبسي، وغيرهم، وقُرئ في هذا المجلس أيضاً $وصيَّة الإمام الذَّهبي لمحمَّد بن رافع السَّلامي#، كما أجازنا  بـ$المسلسل بالمدِّ والصَّاع النَّبوي# بغير شرطه، وممَّن أجازهم شيخنا ظهير الدِّين من أهل البحرين : فضيلة شيخنا العلَّامة نظام بن صالح يعقوبي العبَّاسي، سمع عليه $الصَّحيحين# كاملًا وأشياء أخرى، وفضيلة الشَّيخ عصام بن إسحاق العبَّاسي، والشَّيخ أحمد رستم حضر بعض مجالسه أيضاً، وسمع عليه أغلب $صحيح مسلم#، وقرأ عليه ا$الأوائل السُّنْبُليَّة#، هذا ما قيَّدته عندي، وبلغني عنهم، ولا شكَّ بوجود غيرهم ممَّن أثنَى ركبه في مجالس الشَّيخ ظهير الدِّين وأجازهم رحمه الله، فكم في الزَّاوايا من خبايا، فجزاه الله تعالى عنَّا وعن المسلمين خيراً، ونفعنا بما سمعنا منه وعليه، وأن يبارك لنا في ذلك، والله تعالى أعلم  .

صورة لإحدى الإجازات

رابط المقالة : 

المراجع :
1ـ مقالة : نفحة العَبيرْ من سِيرَة الشَّيخ ظَهيرْ : كتبها أيمـن بن أحمد ذو الغـنَى وقرأها كاملة عليه، وأجازها الشيخ وأقرها .
http://majles.alukah.net/t162463/
2ـ مقالة : وفاة الشَّيخ المحدِّث ظهير الدِّين الرَّحماني المباركفوري : كتبها محمَّد زياد التُّكلة .
http://www.alukah.net/culture/0/119426/

3ـ معجم الشِّيوخ : يحتوي ترجمة أعلام كبار من القرنين الرَّابع والخامس عشر للهجرة :للشَّيخ صفوان عدنان داوود .