بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

الحكيم المحدِّث الفقيه

أحمد حسن الطُّونكي أحد علماء الهند



بقلم / د. محمد رفيق الحسيني

منذ وصول الإسلام إلي القارة الهنديَّة مبكراً، والإسلام في ازدياد والمسلمون في انتشار، وكان هذا الانتشار عن طريق تجَّار العرب وبسبب معاملتهم الإنسانيَّة والصَّادقة معهم، حيث أقبلت الطَّبقات المنبوذة والمستضعفة وعدَّة قبائل هنديَّة على اعتناق هذا الدِّين الَّذي يساوي بين الإنسان والإنسان، ويلغي تلك الطَّبقيَّة القبيحة الَّتي كانت متغلغلة في المجتمع الهندي، ويحارب العبوديَّة حيث لا قيمة للإنسان، وهكذا انتشر الإسلام في الهند بالحكمة والموعظة الحسنة ثم انتقل إلى المناطق المجاورة للهند .
والقارَّة الهنديَّة قد عُرفت بحكَّامها المسلمين، ومدارسها الإسلاميَّة، وبعلمائها الأفذاذ الَّذين نشروا العلم والدِّين إلى العالم، ولا زال العلماء يورِّثون هذا العلم إلى من بعدهم، طبقةً بعد طبقةٍ، وجيلًا بعد جيل حتَّى وصل إلى العالم العلَّامة الفقيه المحدِّث المصلح الشَّاه وليِّ الله أحمد بن عبدالرَّحيم الدَّهلوي، مجدِّد الدِّين والملَّة في تلك القارَّة الشَّاسعة، وترك من بعده جيلًا من العلماء المصلحين على رأسهم ابنه المحدِّث الفقيه الشَّاه عبدالعزيز الدِّهلوي، وأخذ مكانه من بعده سبطه الشَّاه محمَّد إسحاق الدِّهلوي، ثمَّ نشر العلم عنه إلى الآفاق تلميذه السَّيِّد محمَّد نذير حسين الدِّهلوي، ورحل إليه العرب والعجم، حتَّى أصبح مرجع المسندين، ومجمع الأسانيد، وممن انتظم في هذه السَّلسلة المباركة شيخنا المحدِّث المعمَّر المتفنِّن أحمد حسن الطُّونكي الهندي، والذي وافته المنيَّة ضحوة الجمعة الماضية، وحرصًا منَّا على إبقاء ذكر أهل الفضل والعلم بعد مماتهم، وتقييد تراجمهم من النِّسيان والضِّياع،  فإنَّنا نسعَى إلى نشر تراجمهم وذكر محاسنهم، ليترحَّم عليه الرَّاحم، ويستفيد منه الطَّالب، فأقول :

اسمه ونسبه :

هو الشَّيخ الحكيم المفتي الفقيه المقرئ المحدِّث القاضي المعمَّر أحمد حسن خان بن المنشي محمَّد عبد المجيد، الطُّونكي مولدًا ونشأةً، والجيبوري سكنًا، والحنفي مذهبًا، يقال بأن أصول الشيخ من أفغانستان، وقدموا قديمًا إلى الهند واستوطنوها.

مولده :

ولد بمدينة «طونك» بولاية «راجِسْتَان» الهنديَّة، واختلفوا في سنة ولادته، فقيل : سنة 1910م، وقيل : 1912م، وقيل : 1914م، ووالده كان كان ذوجاهة ومكانة، حيث إنَّه كان كاتبًا للأحكام السُّلطانيَّة عند شقيق حاكم الولاية .

مسيرته العلمية :

تلقَّى العلم على عدد من الشِّيوخ، ابتداءً من العلوم الأوليَّة، كالقرآن الكريم، والقراءة والكتابة، وعلوم الآلة، والحساب، وكتب اللُّغة والأدب، والتَّاريخ والجغرافيا، كما تعلَّم اللُّغة الأرديَّة والفارسيَّة، ثمَّ توجَّه علوم الفقه والحديث والقراءات وغيرها، وكلُّ قارئ لترجمته ليستغرب من هذا التَّنوُّع لديه في الفنون والعلوم، وسعة الأفق في تلقِّي المعارف، وممَّا يشدُّ الانتباه أيضًا كثرة شيوخه ومعلميه، فمن أشهر شيوخه الَّذين تخرَّج عليهم :
1ـ الشَّيخ عبد الحي الفنجابي : أخذ عنه الفقه، وأصوله، والصرف، والنحو، والمنطق، ودرس عليه الكتب المختلفة .
2ـ ملَّا جيفن : أخذ عنه علم المعاني والبيان، ودرس عليه الأدب والشِّعر، كالمعلَّقات السَّبع، والحماسة، وديوان المتنبّي .
3ـ الشَّيخ فضل الرَّحمن الفنجابي : أخذ عنه الفقه من كتاب «متن القدوري»، والحديث من كتاب «مشكاة المصابيح»، ومصطلح الحديث، وغيره .
4ـ الشَّيخ محمَّد مصطفَى مكِّي بن حافظ محمَّد صديق الطُّونكي : حفظ عليه القرآن الكريم كاملاً، في المدرسة الأميريَّة القرآنيَّة، وقرأ عليه برواية حفص عن عاصم من طريق الشَّاطبيَّة وذلك في عام 1355هـ،  كما قرأ عليه بعض كتب التَّجويد : كالفوائد المكِّـيِّة للمقرئ عبدالرَّحمن المكي ثمَّ الإله آبادي .
5ـ الشَّيخ القاضي محمَّد عرفان بن عبد الحليم الطُّونكي، صدر المفتين بطُونك، (1308-1381هـ) : لازمه قرابة خمسة عشر سنة، وأخذ عنه الفقه، والحديث والمصطلح، والتَّفسير، والفرائض، والعقيدة، كما درس عليه كتب ابن سينا في الطب .
6ـ الحكيم سيِّد أمير حسن « سُها » المحدِّث الدِّهلوي، الملقَّب بـ « تاج العلماء » : أخذ عنه الطِّب، ودرس عليه كتب الطِّب  .
ومن الغريب أنَّه مارس الطِّب سنوات في طونك ثمَّ جيبور، وأسَّس مركزًا طبيًّا يعالج النَّاس فيه، وظلَّ يتردد عليه إلى قبيل وفاته .
7ـ الشَّيخ عبدالرَّحمن الجشتي (1885-1956م ) : أخذ عنه في « المدرسة الخليليَّة » كتب الحكمة وأصول الفقه .
8ـ الشَّيخ العلَّامة منتخب الحق بن نور الحق القادري، مفتي العدالة الشَّرعيَّة في عهد إمارة طونك، وصدر المدرِّسين بـ « المدرسة الخليليَّة »، (1332ـ 1408هـ) : أخذ عنه في المدرسة الخليليَّة الكتب الحديثية، كالكتب السِّتَّة كاملةً، وموطَّأ محمَّد بن الحسن، والشَّمائل المحمَّديَّة للتِّرمذي، وغير ذلك .
9ـ الشَّيخ العلَّامة حيدر حسن بن أحمد حسن الطُّونكي (1281-1361هـ ) : وهو عمدته في رواية الحديث، لعلوِّ سنده، وشريف مكانته، أخذ عنه كتب الحديث « السِّتة »، و « موطَّأ الإمام مالك » رواية يحيى بن يحيى اللَّيثي، و « تفسير البيضاوي »، و « حاشية ملا حسن »، وذلك في مطلع عام 1359هـ .
10ـ الشَّيخ المعمَّر يوسف خان الأفغاني، صاحب " بَنْجْ كَنْجْ" : أخذ عنه التَّاريخ، والعَروض، والقوافي، وبعض كتب الأدب العربي .
11ـ الشَّيخ محمَّد بن يوسف السُّورَتي (1307-1361هـ ) : قرأ عليه مؤلَّفَه « أزهار العرب »، والفخري في الآداب السُّلطانيَّة، والكافي في العروض والقوافي، والمعلَّقات، والحماسة لأبي تمام، وديوان المتنبي، وذلك بتوجيه من شيخه حيدر حسن الطُّونكي .
12ـ الشَّيخ المقرئ محمَّد حبيب الله بن غلام حيدر الأفغاني (1317-1400هـ ) : جمع عليه بـ «المدرسة الفرقانيَّة» القراءات العشر من طريق الشَّاطبيَّة والدُّرة وذلك في سنة 1361هـ، كما قرأ عليه منظومة حرز الأماني في القراءات السَّبع، ومنظومة عقيلة الأتراب في علم الرَّسم العثماني، كلاهما للشَّاطبي، ومتن الدُّرة المضيئة لابن الجَزَرِي في القراءت العشر، والوجوه المسفرة  في إتمام القراءات العشرة للمتولي .
13ـ الشَّيخ العلَّامة محمود حسن بن أحمد حسن خان الطُّونكي (ت 1366هـ)، صاحب « معجم المصنِّفين »، وغيرهم .

الوظائف التي شغلها :

شخصيَّة بهذه المكانة، وبهذا التفنُّن لا شكِّ بأنَّه قد شغل عدَّة وظائف، وتقلَّد عدَّة مناصب، ومن أهمَّ هذه الوظائف والمناصب الَّتي شغلها شيخنا رحمه الله تعالى :
1ـ عمل مدرسًا بالمدرسة الفرقانيَّة بطونك .
2ـ تقلَّد منصب مفتي العدالة الشَّرعية بطونك .
3ـ عُيِّن عضوًا في هيئة الوقف بولاية راجستان .
4ـ عُيِّن عضوًا في لجنة الهلال الأحمر بجيبور .
5ـ عُيِّن عضوًا في لجنة كليَّة الطِّب اليوناني بجيبور، وغيرها من الوظائف .

مصنفاته :

لم ينشغل شيخنا رحمه الله تعالى بالتَّصنيف والتَّأليف، ولذلك مصنَّفاته قليلة، منها :  
1ـ فتاوَى العلم والحكمة : رتبها وعلَّق عليها تلميذه المفتي محمَّد ذاكر الجيبوري، طبعت في 3 مجلدات .
2ـ أشعار العرب في العلم والأخلاق والأدب : طبع قديمًا .
3ـ رسالة في ترجمة الشَّيخ حيدر حسن خان الطُّونكي : لم تطبع .
4ـ تعليقات على بعض الكتب الطِّبيَّة القديمة : لم تطبع .
5ـ رسالة في الصِّيام : لم تطبع .

 وفاته :

توفي رحمه الله ضحوة يوم الجمعة 25 من شهر صفر سنة 1438هـ،  بمدينة «جيبور»، وصُلِّي عليه بعد صلاة الجمعة، وكانت جنازته مشهودة، حيث حضرها آلاف العلماء وطلاب العلم والعامَّة .

إسناده في الحديث :

أمَّا أسانيده في العلوم وكتب الحديث، فقد قرأ «الكتب السِّتَّة»، و «الموطَّأ» ، و «الشَّمائل»، و «تفسير البيضاوي» مع حاشية المُلَّا حسن، على حيدر حسن خان الطُّونكي، وهو قرأ الكتب السَّبعة بتمامها على السَّيِّد نذير حسين الدَّهلوي، وأيضًا قرأ حيدر حسن الطُّونكي «الكتب السِّتَّة» ، و «الشَّمائل» بتمامها على حسين بن محسن الأنصاري، وأيضًا قرأ حيدر حسن الطُّونكي «الكتب السِّتَّة» ، و «الشَّمائل» على غلام أحمد الكوتي النُّعماني .

وقرأ شيخنا «الكتب السِّتَّة» ، و «الموطَّأين»، و «الشَّمائل» في المدرسة الخليليَّة بطونك على منتخب الحق الجشتي، وهو على معين الدِّين الأجميري، وهو على القاضي محمَّد أيوب الفلتي، وهو على عبد القيُّوم البدهانوي، عن محمَّد إسحاق الدَّهلوي .

وأعلى منه درجة عن القاضي عرفان، عن بركات أحمد الطُّونكي بالسَّند السَّابق .

كما قرأ «مشكاة المصابيح» على فضل الرَّحمن الحيدر آبادي نزيل طونك، وهو عن بركات أحمد الطُّونكي، وله أجازة من الفقيه الأصولي محمود حسن خان الطُّونكي صاحب كتاب «معجم المؤلِّفين»، وهو عن حسين بن محسن الأنصاري، وعن عبدالرَّحمن الباني بتي .

وقد منَّ الله عليَّ أني سمعتُ عليه أنا وأهل بيتي جميعهم حديث المسلسل بالأوَّليَّة، وأوائل«الشَّمائل المحمديَّة»، وأنا جميع الشَّمائل مع فَوت بسيط، وجميع كتاب « الأدب المفرد »للبخاري، كما قرأتُ عليه بحضور أهل بيتي جميعهم أوائل «الكتب السِّتَّة»، و «موطَّأ الإمام مالك »، من أوائل البصري، وتفسير الفاتحة من «الجلالين»، والحمد لله على فضله ومنَّه .


رحم الله شيخنا رحمةً واسعة، وغفر له .

مصادر الترجمة :

1ـ عقود الجُمان في ترجمة شيخنا المفتي أحمد حسن خان : لعمر بن محمَّد سراج حبيب الله .
2ـ  مقالة لصاحبنا الشَّيخ حمد بن بخيت بن حنيف المرِّي، كما أخبرني شفاهة بمعلومات أخرَى .

3ـ مقدِّمة كتاب الإرشاد إلى مهمات الإسناد للمحدِّث وليُّ الله الدَّهلوي، طبع بتحقيقي .