خادم السنة النبوية ومحقق المخطوطات
الإسلاميةالشيخ المحقق شعيب الأرناؤوطي
بقلم / د. محمد رفيق الحسيني
عَلِق اسم الشَّيخ العلَّامة المحقِّق شعيب الأرناؤوط
في ذهني منذ أيام الثَّانوية، عندما اقتنيت ذلك الكتاب الفذ : "سير أعلام النُّبلاء" للحافظ الإمام شمس الدِّين محمَّد
بن أحمد بن عثمان الذَّهبي ( ت 748 هـ )، والمطبوع في 25 مجلدًا بمؤسسة الرِّسالة،
وبإشراف الشَّيخ شعيب الأرنؤوط، وقد عمل على تحقيق هذا الكتاب كوكبة من العلماء
والمحقِّقين الأفذاذ، الشَّيخ العلَّامة شعيب الأرنؤوط، و د. بشار عواد معروف، وحسين
الأسد، ومحمد نعيم العرقسوسي، ومأمون صاغرجي، وعلي أبو زيد، ونذير حمدان، وكامل
الخراط، وصالح السمر، وأكرم البوشي، وإبراهيم الزيبق، و د. محيي هلال السَّرحان .
وكتاب "سير أعلام النُّبلاء" يعتبر من أمتع
ما كتب في تراجم العلماء السَّابقين، وقد توَّج متعة قراءته تحقيق هؤلاء الأعلام
وتعليقاتهم، ثمَّ تتابع اقتنائي لتحقيقات الشَّيخ إلى أن جاء كتابه الآخر، والذي
يعتبر بحقٍّ خدمة للإسلام والمسلمين ألا وهو "مسند الإمام أحمد بن حنبل"،
فقد أشرف على تحقيقه وتخريج نصوصه والتَّعليق عليه، وطبع في 50 مجلدًا وبمؤسسة الرِّسالة
أيضًا، ولو لم يكن لشيخنا العلَّامة إلَّا هذين الكتابين لكان كافيًا لبقاء ذكره،
ومعرفة منزلته، ومدَى صبره وجهده في خدمة السُّنَّة.
وتدور الأيام والسَّنوات حتَى كتب الله لي، ولوالدي
العلَّامة المقرئ محمَّد سعيد الحسيني، وأخي الدكتور حسن الحسيني زيارة المملكة
الأرنيَّة الهاشميَّة، وأن نلتقي بشيخنا العلَّامة في جلسة علميَّة وفي بيته وبين
كتبه، وقد دار نقاش حول عدد من المواضيع المختلفة، أظهر الشَّيخ خلال هذه الجلسة
مدَى تواضعه ودماثة أخلاقة، وقرأنا عليه في بعض الكتب، وأهدانا بعض تحقيقاته كتحقيقه
لكتاب "التَّعليق الممجَّد على موطأ الإمام محمَّد" للعلَّامة المحدِّث،
عبد الحي اللَّكنوي الهندي .
وقبل أيام وصلني خبر رحيل هذه القامة الشَّامخة في
عالم التَّحقيق وخدمة السُّنَّة، رحمه الله رحمةً واسعةً، وغفر له، وأعلَى منزلته،
وجزاه عنَّا وعن المسلمين خيرًا، وإنَّ النَّفس لتحزن على رحيل أمثال هؤلاء ممَّن
نذروا حياتهم للعلم، فأحببت أن أكتب ترجمةً مختصرة ليقف القارئ على مكانته، وأداءً
منَّي لحقِّه، فأقول :
اسمه ومولده ونشأته
هو الشَّيخ المحقِّق العلَّامة شعيب بن محرم الألباني
الأرناؤوطي، الدمشقي، الحنفي، أبو أسامة .
ولد في مدينة دمشق سنة 1928م، نشأ نشأة دينيَّة تحت
رعاية والديه، وحبِّب إليه منذ صغره دراسة علوم اللُّغة العربيَّة، فقصد العلماء
والمشايخ في مساجد دمشق ومدارسها ليتعلم علوم اللُّغة، من النَّحو والصَّرف
والبلاغة والأدب .
طلبه للعلم
تتلمذ في علوم العربيَّة على كبار علماء دمشق، منهم :
الشَّيخ صالح الفرفور، والشَّيخ عارف الدَّوجي، وهما من تلاميذ محدِّث الشَّام بدر
الدِّين الحسني، والشَّيخ سليمان الغاوجي الألباني، قرأ عليهم الكثير من كتب اللُّغة،
كـ"شرح ألفيَّة ابن مالك" لابن عقيل، و"الكافية" لابن الحاجب، و"المفصل" للزَّمخشري، و"شذور الذَّهب" لابن هشام، و"أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" للجرجاني، و"شرح العوامل" للبركوي، وغيرها من كتب اللُّغة .
وبعد هذه الحصيلة العلميَّة في اللغة اتجه الشَّيخ لدراسة
الفقه الإسلامي فلزم المشايخ يقرأ عليهم كتب الفقه الحنفي، كـ"مراقي الفلاح" للشَّرنبلالي، و"الاختيار" للموصلي، و"متن القدوري"، و"حاشية ابن عابدين"، كما درس خلال هذه الفترة كتب
الأصول، وكتب التَّفسير، والحديث والمصطلح، حتى جاوز الثَّلاثين .
اشتغاله بالتحقيق
خلال دراسته لمس الشَّيخ جهل النَّاس بصحيح الحديث
وضعيفه،فعقد العزم على دراسة علم الحديث، وتحقيق تراثه ونشره، فترك لأجلها مهنة
تدريس اللُّغة العربية الَّتي كان يزاولها منذ سنة 1955م، وتفرَّغ لتحقيق التُّراث
العربي الإسلامي، وكانت بدايته مع "المكتب الإسلامي" بدمشق سنة 1958م، ورأس
فيه قسم التَّحقيق والتَّصحيح مدَّة عشرين عامًا، أخرج خلالها أكثر من سبعين مجلدًا
من أمهات كتب التُّراث في مختلف العلوم، ثمَّ في عام 1982م انتقل للعمل مع مؤسسة
الرسالة في مكتبها بعمان، وترأس فيها أيضًا
قسم تحقيق التراث التابع لها، يقول شيخنا عن هذه المرحلة : " إن أهم إنجازاته
في تحقيق التُّراث قد تمَّت في أثناء عمله في هذه المؤسسة الَّتي تعدُّ بحقٍّ
رائدة بعث التُّراث العربي الإسلامي" .
يقول العلَّامة بشار عوَّاد معروف، في مقدمته لكتاب "سيير
أعلام النبلاء" : "ثمَّ توَّج عمله ـ أي صاحب مؤسسة الرِّسالة ـ بأن ندب
لمراجعة الكتاب والإشراف على تحقيقه، عالمًا بارعًا، متأبهًا عن الشُّهرة، قديرًا
على تذليل الصِّعاب، فطينًا لإيضاح المبهم، كفيًا بتيسير العسير، هو الأستاذ المحدِّث
الشَّيخ شعيب الأرنؤوط، وقد عرفت لهذا العالم فضله الكبير على هذا السِّفر النَّفيس،
آثر ذي أثير حين اشترط أن يقام التَّحقيق على أفضل قواعده، وهو اليوم فارس هذا
الميدان الخطير، الَّذي ضرب آباطه ومغابنه، واستشف بواطنه" .
أعماله وتحقيقاته
أولًا : في المكتب الإسلامي :
1.
شرح السُّنة : للإمام المحدِّث الفقيه البغوي، طبع في
16 مجلدًا .
2.
روضة الطَّالبين : للإمام المحدِّث الفقيه النَّووي،
بالاشتراك مع الشَّيخ عبدالقادر الأرناؤوط، وطبع في 12 مجلدًا .
3.
مهذَّب الأغاني : للعلَّامة اللُّغوي ابن منظور، وطبع
في 12 مجلدًا .
4.
المبدع في شرح المقنع : للعلَّامة الفقيه ابن مفلح الحنبلي،
طبع في 10 مجلدات .
5.
زاد المسير في علم التَّفسير : للعلَّامة المحدِّث
ابن الجوزي، بالاشتراك مع الشَّيخ عبدالقادر الأرناؤوط، وطبع في 9 مجلدات .
6.
مطالب أولي النُّهى في شرح غاية المنتهى : للرَّحيباني،
بالاشتراك مع الشَّيخ عبد القادر الأرنؤوط، وطبع في 6 مجلَّدات .
7.
الكافي في فقه الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل : للإمام
الفقيه ابن قدامة الحنبلي، بالاشتراك مع الشَّيخ عبد القادر الأرنؤوط، طبع في 3 مجلَّدات
.
8.
منار السَّبيل في شرح الدَّليل : للعلَّامة ابن ضويان
الحنبلي، طبع في مجلّدين .
9.
المنازل والدِّيار : لأسامة بن منقذ، طبع في مجلّدين
.
10.
مسند أبي بكر : للحافظ المروزي، طع في مجلّد، وغيره .
ثانيًا : مؤسسة الرسالة :
11.
سير أعلام النُّبلاء : للحافظ الذهبي: طبع في 25 مجلدًا
.
12.
سُنن التِّرمذي : طبع في 16 مجلدًا
13.
سُنن النَّسائي : طبع في 12 مجلدًا .
14.
سُنن الدَّارقطني :طبع في 5 مجلداتٍ .
15.
مسند الإمام أحمد بن حنبل : طبع في 50 مجلدًا .
16.
تاريخ الإسلام : للحافظ الذَّهبي : بالتعاون مع
د. بشار عواد معروف .
17.
الآداب الشَّرعيَّة والمنح المرعيَّة : للعلَّامة
الفقيه ابن مفلح الحنبلي، بالاشتراك مع عمر حسن القيَّام، طبع في 4 مجلَّدات.
18.
معرفة القراء الكبار : للحافظ الذَّهبي، بالاشتراك مع
د. بشار معروف، طبع في مجلَّدين .
19.
موارد الظَّمآن بزوائد صحيح ابن حبَّان : للحافظ الهيثمي،
بالاشتراك مع رضوان عرقسوسي، طبع في مجلَّدين .
20.
شرح العقيدة الطَّحاويَّة : للعلَّامة لابن أبي العزِّ
الحنفي، بالاشتراك مع د. عبد الله التُّركي، طبع في مجلَّدين، وغيره .
وفاته
توفي رحمه الله تعالى بالأردن، مدينة عَمَّـان، يوم
الخميس 26 / محرَّم / سنة 1438هـ، الموافق 27 / أكتوبر / 2016م رحمه الله رحمةً
واسعة .
مصادر ترجمته :
رحلة فضيلة الشَّيخ العلَّامة
المحدِّث شعيب الأرنؤوط إلى الدِّيار الكويتيَّة، تأليف : محمَّد بن يوسف
الحوراني، ط 1 ، 1433ه ، طبع في وزارة الأوقاف الكويتيَّة، وهو مجلد كبير يهدى ولا
يباع .
المحدِّث العلَّامة الشَّيخ شعيب
الأرنؤوط سيرته في طلب العلم وجهوده في تحقيق التُّراث : بقلم إبراهيم الزيبق، ط 1
، 1433هـ، دارالبشائر الإسلاميَّة، في ( 244 ص) .