بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

الحكيم المحدِّث الفقيه

أحمد حسن الطُّونكي أحد علماء الهند



بقلم / د. محمد رفيق الحسيني

منذ وصول الإسلام إلي القارة الهنديَّة مبكراً، والإسلام في ازدياد والمسلمون في انتشار، وكان هذا الانتشار عن طريق تجَّار العرب وبسبب معاملتهم الإنسانيَّة والصَّادقة معهم، حيث أقبلت الطَّبقات المنبوذة والمستضعفة وعدَّة قبائل هنديَّة على اعتناق هذا الدِّين الَّذي يساوي بين الإنسان والإنسان، ويلغي تلك الطَّبقيَّة القبيحة الَّتي كانت متغلغلة في المجتمع الهندي، ويحارب العبوديَّة حيث لا قيمة للإنسان، وهكذا انتشر الإسلام في الهند بالحكمة والموعظة الحسنة ثم انتقل إلى المناطق المجاورة للهند .
والقارَّة الهنديَّة قد عُرفت بحكَّامها المسلمين، ومدارسها الإسلاميَّة، وبعلمائها الأفذاذ الَّذين نشروا العلم والدِّين إلى العالم، ولا زال العلماء يورِّثون هذا العلم إلى من بعدهم، طبقةً بعد طبقةٍ، وجيلًا بعد جيل حتَّى وصل إلى العالم العلَّامة الفقيه المحدِّث المصلح الشَّاه وليِّ الله أحمد بن عبدالرَّحيم الدَّهلوي، مجدِّد الدِّين والملَّة في تلك القارَّة الشَّاسعة، وترك من بعده جيلًا من العلماء المصلحين على رأسهم ابنه المحدِّث الفقيه الشَّاه عبدالعزيز الدِّهلوي، وأخذ مكانه من بعده سبطه الشَّاه محمَّد إسحاق الدِّهلوي، ثمَّ نشر العلم عنه إلى الآفاق تلميذه السَّيِّد محمَّد نذير حسين الدِّهلوي، ورحل إليه العرب والعجم، حتَّى أصبح مرجع المسندين، ومجمع الأسانيد، وممن انتظم في هذه السَّلسلة المباركة شيخنا المحدِّث المعمَّر المتفنِّن أحمد حسن الطُّونكي الهندي، والذي وافته المنيَّة ضحوة الجمعة الماضية، وحرصًا منَّا على إبقاء ذكر أهل الفضل والعلم بعد مماتهم، وتقييد تراجمهم من النِّسيان والضِّياع،  فإنَّنا نسعَى إلى نشر تراجمهم وذكر محاسنهم، ليترحَّم عليه الرَّاحم، ويستفيد منه الطَّالب، فأقول :

اسمه ونسبه :

هو الشَّيخ الحكيم المفتي الفقيه المقرئ المحدِّث القاضي المعمَّر أحمد حسن خان بن المنشي محمَّد عبد المجيد، الطُّونكي مولدًا ونشأةً، والجيبوري سكنًا، والحنفي مذهبًا، يقال بأن أصول الشيخ من أفغانستان، وقدموا قديمًا إلى الهند واستوطنوها.

مولده :

ولد بمدينة «طونك» بولاية «راجِسْتَان» الهنديَّة، واختلفوا في سنة ولادته، فقيل : سنة 1910م، وقيل : 1912م، وقيل : 1914م، ووالده كان كان ذوجاهة ومكانة، حيث إنَّه كان كاتبًا للأحكام السُّلطانيَّة عند شقيق حاكم الولاية .

مسيرته العلمية :

تلقَّى العلم على عدد من الشِّيوخ، ابتداءً من العلوم الأوليَّة، كالقرآن الكريم، والقراءة والكتابة، وعلوم الآلة، والحساب، وكتب اللُّغة والأدب، والتَّاريخ والجغرافيا، كما تعلَّم اللُّغة الأرديَّة والفارسيَّة، ثمَّ توجَّه علوم الفقه والحديث والقراءات وغيرها، وكلُّ قارئ لترجمته ليستغرب من هذا التَّنوُّع لديه في الفنون والعلوم، وسعة الأفق في تلقِّي المعارف، وممَّا يشدُّ الانتباه أيضًا كثرة شيوخه ومعلميه، فمن أشهر شيوخه الَّذين تخرَّج عليهم :
1ـ الشَّيخ عبد الحي الفنجابي : أخذ عنه الفقه، وأصوله، والصرف، والنحو، والمنطق، ودرس عليه الكتب المختلفة .
2ـ ملَّا جيفن : أخذ عنه علم المعاني والبيان، ودرس عليه الأدب والشِّعر، كالمعلَّقات السَّبع، والحماسة، وديوان المتنبّي .
3ـ الشَّيخ فضل الرَّحمن الفنجابي : أخذ عنه الفقه من كتاب «متن القدوري»، والحديث من كتاب «مشكاة المصابيح»، ومصطلح الحديث، وغيره .
4ـ الشَّيخ محمَّد مصطفَى مكِّي بن حافظ محمَّد صديق الطُّونكي : حفظ عليه القرآن الكريم كاملاً، في المدرسة الأميريَّة القرآنيَّة، وقرأ عليه برواية حفص عن عاصم من طريق الشَّاطبيَّة وذلك في عام 1355هـ،  كما قرأ عليه بعض كتب التَّجويد : كالفوائد المكِّـيِّة للمقرئ عبدالرَّحمن المكي ثمَّ الإله آبادي .
5ـ الشَّيخ القاضي محمَّد عرفان بن عبد الحليم الطُّونكي، صدر المفتين بطُونك، (1308-1381هـ) : لازمه قرابة خمسة عشر سنة، وأخذ عنه الفقه، والحديث والمصطلح، والتَّفسير، والفرائض، والعقيدة، كما درس عليه كتب ابن سينا في الطب .
6ـ الحكيم سيِّد أمير حسن « سُها » المحدِّث الدِّهلوي، الملقَّب بـ « تاج العلماء » : أخذ عنه الطِّب، ودرس عليه كتب الطِّب  .
ومن الغريب أنَّه مارس الطِّب سنوات في طونك ثمَّ جيبور، وأسَّس مركزًا طبيًّا يعالج النَّاس فيه، وظلَّ يتردد عليه إلى قبيل وفاته .
7ـ الشَّيخ عبدالرَّحمن الجشتي (1885-1956م ) : أخذ عنه في « المدرسة الخليليَّة » كتب الحكمة وأصول الفقه .
8ـ الشَّيخ العلَّامة منتخب الحق بن نور الحق القادري، مفتي العدالة الشَّرعيَّة في عهد إمارة طونك، وصدر المدرِّسين بـ « المدرسة الخليليَّة »، (1332ـ 1408هـ) : أخذ عنه في المدرسة الخليليَّة الكتب الحديثية، كالكتب السِّتَّة كاملةً، وموطَّأ محمَّد بن الحسن، والشَّمائل المحمَّديَّة للتِّرمذي، وغير ذلك .
9ـ الشَّيخ العلَّامة حيدر حسن بن أحمد حسن الطُّونكي (1281-1361هـ ) : وهو عمدته في رواية الحديث، لعلوِّ سنده، وشريف مكانته، أخذ عنه كتب الحديث « السِّتة »، و « موطَّأ الإمام مالك » رواية يحيى بن يحيى اللَّيثي، و « تفسير البيضاوي »، و « حاشية ملا حسن »، وذلك في مطلع عام 1359هـ .
10ـ الشَّيخ المعمَّر يوسف خان الأفغاني، صاحب " بَنْجْ كَنْجْ" : أخذ عنه التَّاريخ، والعَروض، والقوافي، وبعض كتب الأدب العربي .
11ـ الشَّيخ محمَّد بن يوسف السُّورَتي (1307-1361هـ ) : قرأ عليه مؤلَّفَه « أزهار العرب »، والفخري في الآداب السُّلطانيَّة، والكافي في العروض والقوافي، والمعلَّقات، والحماسة لأبي تمام، وديوان المتنبي، وذلك بتوجيه من شيخه حيدر حسن الطُّونكي .
12ـ الشَّيخ المقرئ محمَّد حبيب الله بن غلام حيدر الأفغاني (1317-1400هـ ) : جمع عليه بـ «المدرسة الفرقانيَّة» القراءات العشر من طريق الشَّاطبيَّة والدُّرة وذلك في سنة 1361هـ، كما قرأ عليه منظومة حرز الأماني في القراءات السَّبع، ومنظومة عقيلة الأتراب في علم الرَّسم العثماني، كلاهما للشَّاطبي، ومتن الدُّرة المضيئة لابن الجَزَرِي في القراءت العشر، والوجوه المسفرة  في إتمام القراءات العشرة للمتولي .
13ـ الشَّيخ العلَّامة محمود حسن بن أحمد حسن خان الطُّونكي (ت 1366هـ)، صاحب « معجم المصنِّفين »، وغيرهم .

الوظائف التي شغلها :

شخصيَّة بهذه المكانة، وبهذا التفنُّن لا شكِّ بأنَّه قد شغل عدَّة وظائف، وتقلَّد عدَّة مناصب، ومن أهمَّ هذه الوظائف والمناصب الَّتي شغلها شيخنا رحمه الله تعالى :
1ـ عمل مدرسًا بالمدرسة الفرقانيَّة بطونك .
2ـ تقلَّد منصب مفتي العدالة الشَّرعية بطونك .
3ـ عُيِّن عضوًا في هيئة الوقف بولاية راجستان .
4ـ عُيِّن عضوًا في لجنة الهلال الأحمر بجيبور .
5ـ عُيِّن عضوًا في لجنة كليَّة الطِّب اليوناني بجيبور، وغيرها من الوظائف .

مصنفاته :

لم ينشغل شيخنا رحمه الله تعالى بالتَّصنيف والتَّأليف، ولذلك مصنَّفاته قليلة، منها :  
1ـ فتاوَى العلم والحكمة : رتبها وعلَّق عليها تلميذه المفتي محمَّد ذاكر الجيبوري، طبعت في 3 مجلدات .
2ـ أشعار العرب في العلم والأخلاق والأدب : طبع قديمًا .
3ـ رسالة في ترجمة الشَّيخ حيدر حسن خان الطُّونكي : لم تطبع .
4ـ تعليقات على بعض الكتب الطِّبيَّة القديمة : لم تطبع .
5ـ رسالة في الصِّيام : لم تطبع .

 وفاته :

توفي رحمه الله ضحوة يوم الجمعة 25 من شهر صفر سنة 1438هـ،  بمدينة «جيبور»، وصُلِّي عليه بعد صلاة الجمعة، وكانت جنازته مشهودة، حيث حضرها آلاف العلماء وطلاب العلم والعامَّة .

إسناده في الحديث :

أمَّا أسانيده في العلوم وكتب الحديث، فقد قرأ «الكتب السِّتَّة»، و «الموطَّأ» ، و «الشَّمائل»، و «تفسير البيضاوي» مع حاشية المُلَّا حسن، على حيدر حسن خان الطُّونكي، وهو قرأ الكتب السَّبعة بتمامها على السَّيِّد نذير حسين الدَّهلوي، وأيضًا قرأ حيدر حسن الطُّونكي «الكتب السِّتَّة» ، و «الشَّمائل» بتمامها على حسين بن محسن الأنصاري، وأيضًا قرأ حيدر حسن الطُّونكي «الكتب السِّتَّة» ، و «الشَّمائل» على غلام أحمد الكوتي النُّعماني .

وقرأ شيخنا «الكتب السِّتَّة» ، و «الموطَّأين»، و «الشَّمائل» في المدرسة الخليليَّة بطونك على منتخب الحق الجشتي، وهو على معين الدِّين الأجميري، وهو على القاضي محمَّد أيوب الفلتي، وهو على عبد القيُّوم البدهانوي، عن محمَّد إسحاق الدَّهلوي .

وأعلى منه درجة عن القاضي عرفان، عن بركات أحمد الطُّونكي بالسَّند السَّابق .

كما قرأ «مشكاة المصابيح» على فضل الرَّحمن الحيدر آبادي نزيل طونك، وهو عن بركات أحمد الطُّونكي، وله أجازة من الفقيه الأصولي محمود حسن خان الطُّونكي صاحب كتاب «معجم المؤلِّفين»، وهو عن حسين بن محسن الأنصاري، وعن عبدالرَّحمن الباني بتي .

وقد منَّ الله عليَّ أني سمعتُ عليه أنا وأهل بيتي جميعهم حديث المسلسل بالأوَّليَّة، وأوائل«الشَّمائل المحمديَّة»، وأنا جميع الشَّمائل مع فَوت بسيط، وجميع كتاب « الأدب المفرد »للبخاري، كما قرأتُ عليه بحضور أهل بيتي جميعهم أوائل «الكتب السِّتَّة»، و «موطَّأ الإمام مالك »، من أوائل البصري، وتفسير الفاتحة من «الجلالين»، والحمد لله على فضله ومنَّه .


رحم الله شيخنا رحمةً واسعة، وغفر له .

مصادر الترجمة :

1ـ عقود الجُمان في ترجمة شيخنا المفتي أحمد حسن خان : لعمر بن محمَّد سراج حبيب الله .
2ـ  مقالة لصاحبنا الشَّيخ حمد بن بخيت بن حنيف المرِّي، كما أخبرني شفاهة بمعلومات أخرَى .

3ـ مقدِّمة كتاب الإرشاد إلى مهمات الإسناد للمحدِّث وليُّ الله الدَّهلوي، طبع بتحقيقي .

الجمعة، 11 نوفمبر 2016

خادم السنة النبوية ومحقق المخطوطات الإسلاميةالشيخ المحقق شعيب الأرناؤوطي
بقلم / د. محمد رفيق الحسيني


عَلِق اسم الشَّيخ العلَّامة المحقِّق شعيب الأرناؤوط في ذهني منذ أيام الثَّانوية، عندما اقتنيت ذلك الكتاب الفذ : "سير أعلام النُّبلاء" للحافظ الإمام شمس الدِّين محمَّد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي ( ت 748 هـ )، والمطبوع في 25 مجلدًا بمؤسسة الرِّسالة، وبإشراف الشَّيخ شعيب الأرنؤوط، وقد عمل على تحقيق هذا الكتاب كوكبة من العلماء والمحقِّقين الأفذاذ، الشَّيخ العلَّامة شعيب الأرنؤوط، و د. بشار عواد معروف، وحسين الأسد، ومحمد نعيم العرقسوسي، ومأمون صاغرجي، وعلي أبو زيد، ونذير حمدان، وكامل الخراط، وصالح السمر، وأكرم البوشي، وإبراهيم الزيبق، و د. محيي هلال السَّرحان .
وكتاب "سير أعلام النُّبلاء" يعتبر من أمتع ما كتب في تراجم العلماء السَّابقين، وقد توَّج متعة قراءته تحقيق هؤلاء الأعلام وتعليقاتهم، ثمَّ تتابع اقتنائي لتحقيقات الشَّيخ إلى أن جاء كتابه الآخر، والذي يعتبر بحقٍّ خدمة للإسلام والمسلمين ألا وهو "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، فقد أشرف على تحقيقه وتخريج نصوصه والتَّعليق عليه، وطبع في 50 مجلدًا وبمؤسسة الرِّسالة أيضًا، ولو لم يكن لشيخنا العلَّامة إلَّا هذين الكتابين لكان كافيًا لبقاء ذكره، ومعرفة منزلته، ومدَى صبره وجهده في خدمة السُّنَّة.
وتدور الأيام والسَّنوات حتَى كتب الله لي، ولوالدي العلَّامة المقرئ محمَّد سعيد الحسيني، وأخي الدكتور حسن الحسيني زيارة المملكة الأرنيَّة الهاشميَّة، وأن نلتقي بشيخنا العلَّامة في جلسة علميَّة وفي بيته وبين كتبه، وقد دار نقاش حول عدد من المواضيع المختلفة، أظهر الشَّيخ خلال هذه الجلسة مدَى تواضعه ودماثة أخلاقة، وقرأنا عليه في بعض الكتب، وأهدانا بعض تحقيقاته كتحقيقه لكتاب "التَّعليق الممجَّد على موطأ الإمام محمَّد" للعلَّامة المحدِّث، عبد الحي اللَّكنوي الهندي .
وقبل أيام وصلني خبر رحيل هذه القامة الشَّامخة في عالم التَّحقيق وخدمة السُّنَّة، رحمه الله رحمةً واسعةً، وغفر له، وأعلَى منزلته، وجزاه عنَّا وعن المسلمين خيرًا، وإنَّ النَّفس لتحزن على رحيل أمثال هؤلاء ممَّن نذروا حياتهم للعلم، فأحببت أن أكتب ترجمةً مختصرة ليقف القارئ على مكانته، وأداءً منَّي لحقِّه، فأقول :     

اسمه ومولده ونشأته

هو الشَّيخ المحقِّق العلَّامة شعيب بن محرم الألباني الأرناؤوطي، الدمشقي، الحنفي، أبو أسامة .
ولد في مدينة دمشق سنة 1928م، نشأ نشأة دينيَّة تحت رعاية والديه، وحبِّب إليه منذ صغره دراسة علوم اللُّغة العربيَّة، فقصد العلماء والمشايخ في مساجد دمشق ومدارسها ليتعلم علوم اللُّغة، من النَّحو والصَّرف والبلاغة والأدب .

طلبه للعلم

تتلمذ في علوم العربيَّة على كبار علماء دمشق، منهم : الشَّيخ صالح الفرفور، والشَّيخ عارف الدَّوجي، وهما من تلاميذ محدِّث الشَّام بدر الدِّين الحسني، والشَّيخ سليمان الغاوجي الألباني، قرأ عليهم الكثير من كتب اللُّغة، كـ"شرح ألفيَّة ابن مالك" لابن عقيل، و"الكافية" لابن الحاجب، و"المفصل" للزَّمخشري، و"شذور الذَّهب" لابن هشام، و"أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" للجرجاني، و"شرح العوامل" للبركوي، وغيرها من كتب اللُّغة .
وبعد هذه الحصيلة العلميَّة في اللغة اتجه الشَّيخ لدراسة الفقه الإسلامي فلزم المشايخ يقرأ عليهم كتب الفقه الحنفي، كـ"مراقي الفلاح" للشَّرنبلالي، و"الاختيار" للموصلي، و"متن القدوري"، و"حاشية ابن عابدين"، كما درس خلال هذه الفترة كتب الأصول، وكتب التَّفسير، والحديث والمصطلح، حتى جاوز الثَّلاثين .

اشتغاله بالتحقيق

خلال دراسته لمس الشَّيخ جهل النَّاس بصحيح الحديث وضعيفه،فعقد العزم على دراسة علم الحديث، وتحقيق تراثه ونشره، فترك لأجلها مهنة تدريس اللُّغة العربية الَّتي كان يزاولها منذ سنة 1955م، وتفرَّغ لتحقيق التُّراث العربي الإسلامي، وكانت بدايته مع "المكتب الإسلامي" بدمشق سنة 1958م، ورأس فيه قسم التَّحقيق والتَّصحيح مدَّة عشرين عامًا، أخرج خلالها أكثر من سبعين مجلدًا من أمهات كتب التُّراث في مختلف العلوم، ثمَّ في عام 1982م انتقل للعمل مع مؤسسة الرسالة في مكتبها بعمان، وترأس فيها أيضًا قسم تحقيق التراث التابع لها، يقول شيخنا عن هذه المرحلة : " إن أهم إنجازاته في تحقيق التُّراث قد تمَّت في أثناء عمله في هذه المؤسسة الَّتي تعدُّ بحقٍّ رائدة بعث التُّراث العربي الإسلامي" .
يقول العلَّامة بشار عوَّاد معروف، في مقدمته لكتاب "سيير أعلام النبلاء" : "ثمَّ توَّج عمله ـ أي صاحب مؤسسة الرِّسالة ـ بأن ندب لمراجعة الكتاب والإشراف على تحقيقه، عالمًا بارعًا، متأبهًا عن الشُّهرة، قديرًا على تذليل الصِّعاب، فطينًا لإيضاح المبهم، كفيًا بتيسير العسير، هو الأستاذ المحدِّث الشَّيخ شعيب الأرنؤوط، وقد عرفت لهذا العالم فضله الكبير على هذا السِّفر النَّفيس، آثر ذي أثير حين اشترط أن يقام التَّحقيق على أفضل قواعده، وهو اليوم فارس هذا الميدان الخطير، الَّذي ضرب آباطه ومغابنه، واستشف بواطنه" .

أعماله وتحقيقاته

أولًا : في المكتب الإسلامي :

1.    شرح السُّنة : للإمام المحدِّث الفقيه البغوي، طبع في 16 مجلدًا .
2.    روضة الطَّالبين : للإمام المحدِّث الفقيه النَّووي، بالاشتراك مع الشَّيخ عبدالقادر الأرناؤوط، وطبع في 12 مجلدًا .
3.    مهذَّب الأغاني : للعلَّامة اللُّغوي ابن منظور، وطبع في 12 مجلدًا .
4.    المبدع في شرح المقنع : للعلَّامة الفقيه ابن مفلح الحنبلي، طبع في 10 مجلدات .
5.    زاد المسير في علم التَّفسير : للعلَّامة المحدِّث ابن الجوزي، بالاشتراك مع الشَّيخ عبدالقادر الأرناؤوط، وطبع في 9 مجلدات .
6.    مطالب أولي النُّهى في شرح غاية المنتهى : للرَّحيباني، بالاشتراك مع الشَّيخ عبد القادر الأرنؤوط، وطبع في 6 مجلَّدات .
7.    الكافي في فقه الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل : للإمام الفقيه ابن قدامة الحنبلي، بالاشتراك مع الشَّيخ عبد القادر الأرنؤوط، طبع في 3 مجلَّدات .
8.    منار السَّبيل في شرح الدَّليل : للعلَّامة ابن ضويان الحنبلي، طبع في مجلّدين .
9.    المنازل والدِّيار : لأسامة بن منقذ، طبع في مجلّدين .
10.       مسند أبي بكر : للحافظ المروزي، طع في مجلّد، وغيره .

ثانيًا : مؤسسة الرسالة :

11.       سير أعلام النُّبلاء : للحافظ الذهبي: طبع في 25 مجلدًا .
12.       سُنن التِّرمذي : طبع في 16 مجلدًا
13.       سُنن النَّسائي : طبع في 12 مجلدًا .
14.       سُنن الدَّارقطني :طبع في 5 مجلداتٍ .
15.       مسند الإمام أحمد بن حنبل : طبع في 50 مجلدًا .
16.       تاريخ الإسلام : للحافظ الذَّهبي : بالتعاون مع د. بشار عواد معروف .
17.       الآداب الشَّرعيَّة والمنح المرعيَّة : للعلَّامة الفقيه ابن مفلح الحنبلي، بالاشتراك مع عمر حسن القيَّام، طبع في 4 مجلَّدات.
18.       معرفة القراء الكبار : للحافظ الذَّهبي، بالاشتراك مع د. بشار معروف، طبع في مجلَّدين .
19.       موارد الظَّمآن بزوائد صحيح ابن حبَّان : للحافظ الهيثمي، بالاشتراك مع رضوان عرقسوسي، طبع في مجلَّدين .
20.       شرح العقيدة الطَّحاويَّة : للعلَّامة لابن أبي العزِّ الحنفي، بالاشتراك مع د. عبد الله التُّركي، طبع في  مجلَّدين، وغيره .

وفاته

توفي رحمه الله تعالى بالأردن، مدينة عَمَّـان، يوم الخميس 26 / محرَّم / سنة 1438هـ، الموافق 27 / أكتوبر / 2016م رحمه الله رحمةً واسعة .
مصادر ترجمته :
رحلة فضيلة الشَّيخ العلَّامة المحدِّث شعيب الأرنؤوط إلى الدِّيار الكويتيَّة، تأليف : محمَّد بن يوسف الحوراني، ط 1 ، 1433ه ، طبع في وزارة الأوقاف الكويتيَّة، وهو مجلد كبير يهدى ولا يباع .

 المحدِّث العلَّامة الشَّيخ شعيب الأرنؤوط سيرته في طلب العلم وجهوده في تحقيق التُّراث : بقلم إبراهيم الزيبق، ط 1 ، 1433هـ، دارالبشائر الإسلاميَّة، في ( 244 ص) .




الأربعاء، 31 أغسطس 2016

إجازة العلاَّمة البيحاني

إجازة العلاَّمة البيحاني

للعلاَّمة محمَّد بن أحمد الأهدل




نص الإجازة

"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الَّذي شرَّف أهل العلم باكتسابه، وأوردهم إلى كلِّ خيرٍ من أبوابه، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد المؤيَّد من الله بوحيه وكتابه، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه، وبعد : فقد زارنا في محلِّنا بمدينة عدن المحروسة حضرة السَّيِّد العلَّامة المجتهد في الكسب والتَّحصيل فضيلة السَّيِّد محمَّد بن أحمد شُعيب الأهدل أخذ الله بيده لكلِّ خيرٍ، وسلَّمنا وإيَّاه من كلِّ شرٍّ وضَيْر، وطلب منِّي بعد الزِّيارة أن يقرأ عليَّ شيئًا أكون به من جملة مشايخه، وقبلت ذلك لأستفيد بما يقرأه عليَّ، ولعلَّها تنالني منه دعوةٌ صالحةٌ إذا ذكرني فترحَّم عليَّ، وأخيرًا طلب الإجازة منِّي، ولست أهلًا لذلك، غير أنَّه يسرُّني أن أكون من جملة السَّادة الأفاضل، والعلماء الأماثل، الَّذين أجازوه، وإن لم أكن مثلهم فأنا متشبِّه بهم، وبناء على ذلك أقول وأنا العبد الفقير إلى الله محمَّد بن سالم البيحاني : بأنَّني أجزت السَّيِّد المذكور بالكتب الَّتي قرأ عليَّ بعضها، وفيما تصحُّ لي روايته والإجازة فيه من بقية الكتب الفقهيَّة والأصوليَّة، وغيرها من كتب التَّفسير والأحاديث [النَّبويَّة] والتَّاريخ .
أجزته بذلك وأذنت له في الرِّواية عنَّي كما أجازني وأذن لي فيه مشافهةً ومراسلةً أساتذتي، وشيوخي الأعلام، [منهم : السَّيِّد] عبدالله بن عمر الشَّاطري العلوي، والسَّيِّد محمَّد بن سالم السَّري، وعلي بن عبدالرَّحمن المشهور، والسَّيِّد علوي بن عبدالله بن شهاب [من] علماء تريم عاصمة حضرموت، وكذلك السَّيِّد العلَّامة محمَّد بن محمَّد زبارة الحسني، والقاضي عبدالله بن علي اليَدُوْمِـي، و [ العلَّامة] محمَّد العبادي في الشيخ عثمان عدن، والسَّيِّد محمَّد بن داود البطَّاح، وغيرهم من علماء اليمن ومصر والحجاز .
واستمد من السَّيِّد [ محمَّد] الأهدل بعد الإجازة له فيما ذكر على ما هو معروف من ..... عند أهل مصطلح الحديث أطلب منه صالح الدَّعوات، وأن [يدعو لي] كلَّما خطرت على باله، والله يجعلنا من المتاحبِّين فيه، ومن [أهله، وأسأله] تعالى أن يجمع بيننا في مستقرِّ الرَّحمة، ودار الكرامة، مع [الَّذين أنعم الله] عليهم من النَّبيِّين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين، وحسن [أولئك] رفيقًا .
وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه [والتَّابعين] لهم بإحسانٍ أبدًا وختامًا .
وحرر في ليلة الثلاثين من رمضان [الكريم] عام 1370 من الهجرة الشريفة"


ترجمة مختصرة للمجيز

اسمه ونسبه ومذهبه :

هو العالم الدَّاعية والأديب الشَّاعروالخطيب المصلح والمفتي والمحدِّث محمَّد بن سالم بن حسين بن خميس بن أحمد بن عبيد  الكدادي البيحاني، الشَّافعي.

ولادته ونشأته :

ولد في 20 أغسطس سنة 1908م، في بيحان بمحافظة شبوة، ونشأ بين أسرته العلمية، فتعلَّم القرآن الكريم، وبعض العلوم الأوَّليَّة، على يد والده، يقول عن والده"كان سببًا في وجودي، وله بعد الله الفضل الأكبر عليَّ، نشأني نشأة دينية، وعلمني كيف أعبد ريي، وكيف أعامل الناس كافة"[1]، فقد بصره وهو في سنِّ الخامسة، وكان يقول عن نفسه:
يقولون لي أعمَى وما أنا بالأعمَى *** ولكنَّما الأعمَى الَّذي فقد العلما
ثمَّ درس الفقه على علماء بلدته، وفي سنة 1919م توجَّه إلى مدينة تريم في حضرموت فدرس علوم الدِّين واللَّغة العربيَّة على عدد من علمائها، من أعظمهم أستاذه وشيخه السَّيِّد عبدالله بن عمر بن أحمد بن عمر الشَّاطري العلوي الحضرمي، يقول عنه البيحاني :"كانت له بي عناية كبيرة، وله علي يد بيضاء لا أستطيع مكافأته عليها إلا بالدُّعاء له ، والتَّرحُّم عليه ، وهو أوَّل من فتق لساني بحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحفَّظني بنفسه الأربعين النَّوويَّة ، وشرحها لي ، وكان يحرص جد الحرص على تعليمي : الفقه ، والنَّحو ، والتَّجويد ، وعلم المواريث ، ويحثُّ زملائي وأساتذتي الآخرين على العناية بي ، ومذاكرة دروسي ، فجزاه الله عنِّي أفضل ما جوزي به معلِّم عن متعلِّم"[2]، ثمَّ عاد إلى عدن ودرس على علمائها، ومنها رحل إلى منطقة الشَّيخ عثمان، والتقَى بعالمها الشَّيخ أحمد بن محمَّد بن عوض العبَّادي اليمني، وتتلمذ عليه، واستفاد من علومه الغزيرة كثيرًاً، وكان العبَّادي يتوسَّم فيه النبُّوغ، كما شارك في بعثة علميَّة إلى مصر والتحق بجامعة الأزهر بالقاهرة، حتَّى نال الشهادة الأهليَّة والعالميَّة في ثلاث سنوات .

شيوخه :


شيوخ البيحاني ولم يذكرهم في الإجازة، تتلمذ على بعضهم، واستفاد من الآخرين، منهم :

1ـ الشَّيخ محمَّد حامد التقي، وقد أجازه كما زكره زبارة في نزهة النظر (ص 572) .
2ـ مفتي حضرموت السَّيِّد العلاَّمة عبدالرَّحمن بن عبيد الله السَّقاف استفاد منه .
3ـ السَّيِّد العلاَّمة علوي بن طاهر الحدَّاد ، استفاد منه بماليزيا .
4ـ السَّيِّد سالم بن أحمد الجندان، استفاد منه بماليزيا .
5ـ عبدالباري بن شيخ العيدروس .
6ـ علي بن زين الهادي .
7ـ حسن بن محمَّد بلفقيه وأولاده .
8ـ عبدالله بن عيدروس العيدروس .
9ـ زين العابدين بن جنيد، حضر عليه بعض دروس ألفيَّة ابن مالك .
10ـ السَّيِّد عمر بن علوي الكاف، الفرائض .
11ـ عمر بن عوض الحداد، النَّحو، وغيرهم .

أعماله ووظائفه :

عمل في مجال التَّدريس بمدينة بيحان، ثمَّ في الإفتاء في مدينة عدن (1943م)، وإمامًا وخطيبًا بمسجد العسقلاني (1949- 1969م)، واشتهر بنشاطه الدَّعوي والإصلاحي حيث شارك مع شيخه أحمد العبَّادي في تأسيس نادي الإصلاح العربي الإسلامي سنة 1929م، والجمعيَّة الإسلاميَّة للتربية والتَّعليم سنة 1950م، ،كما أسسَّ المعهد العلمي الإسلامي في عدن سنة 1957م، وكان خطيبًا في جامع العسقلاني بكريتر حتَّى سنة 1969م .

مؤلفاته :

ترك رحمه الله تعالى تراثاً ضخمًا من المؤلفات الدِّينيَّة والأدبيَّة والشِّعريَّة والاجتماعيَّة، منها المطبوع ومنها المخطوط، فمن مؤلَّفاته :
1ـ إصلاح المجتمع : شرح مائة حديث من الصَّحيحين بما يتناسب والحالة الحاضرة .
2ـ عبادة ودين .
3ـ أستاذ المرأة .
4ـ كيف نعبد الله؟ .
5ـ زوبعة في فنجان .
6ـ الفتوحات الرَّبَّانيَّة بالخطب والمواعظ القرآنيَّة .
7ـ ديوان:جزءان، ويتألَّف من 4266 ، وقد كتب مقدِّمة هذا الدِّيوان علَّامة الشَّام الشَّيخ محمَّد بهجت البيطار، طبع بمطبعة العلم، دمشق، 1964.
8ـ تربية البنين : أرجوزة شعريَّة، طبع دار الفكر، - بيروت .
9ـ رباعيَّات البيحاني : مقتطفات في العبر والمعاني، طبع مكتبة جدَّة .
10ـ العطر اليماني من أشعار البيحاني : مختارات، طبعت في دولة قطر .
11ـ صفية المظلومة : قصة .
12ـ مجموعة مقالات .
13ـ أسئلة وأجوبة مبينة .
14ـ أطيب الأيام من سيرة سيِّد الأنام عليه الصَّلاة والسَّلام .
15ـ تتمَّة الزُّبد لابن رسلان .
16ـ تذكرة المعتبر في رحلة موسَى والخضر .
17ـ دين يحل المشكلات .
18ـ شوارد وأوابد من دروس البيحاني والفوائد .

وفاته :

توفى بمدينة تعز يوم 26 /12 /1391هـ، الموافق 13 فبراير سنة 1972م، رحمه الله رحمةً واسعةً .



إسنادي إلى البيحاني :

أروي عن العلاَّمة البيحاني من طريق المحقِّق السَّيِّد محمَّد زهير بن مصطفَى أحمد الشَّاويش الحسيني، عن العلاَّمة محمَّد بن سالم البيحاني، رحمه الله تعالى .






مصادر الترجمة :

1ـ أحمد جابر عفيف: الموسوعة اليمنية، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء 2003.
2ـ أحمد محمد سعيد: نصيب عدن من الحركة الفكرية، مطبعة الشورى، القاهرة 1934
3ـ عبدالفتاح الحكيمي: النقد الأدبي والمعارك القلمية في اليمن، مؤسسة الثورة، صنعاء 1992
4ـ مجموعة من المؤلفين: ندوة الشيخ محمد سالم البيحاني، مفكرًا وداعية - 25،26 من يوليو 2001 - مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة - تعز 2003.
5ـ معجم البابطين . وغيرها من المراجع


[1] ـ مقدمة إصلاح المجتمع : ( ص 5 ) .
[2] ـ مقدمة إصلاح المجتمع : ( ص 5 ) .